سلايدركل فيلم اغنية

أنا وأحمد ..من البيت المقسوم إلى الحلم المشترك..كيف كان الطريق؟!!

بقلم/ عبد الوهاب شعبان

للأكاديميين بريق لا يعرفه المنشغلون بحسابات المادة، وللأدب ساحة فسيحة، ومصفاة تنسل منها الشوائب، ويدخر الأمل.

(١)

وهذا أخي “أحمد إسماعيل” قد منّ الله علينا بقدر مشترك، مشينا خلاله على أشواك المعاناة، واضطربت خطواتنا ذات سعي محموم نحو الهدف، ومع الخطوة تتكشف الطرق، وتبين لطائف السماء.

في قاعة فسيحة بكلية العلوم جامعة القاهرة، وقف الفتى النابه يشرح لأساتذته المشرفين على رسالة الدكتوراة محتوى بحثه المنظم، يسهب في تفاصيله، وتلمع في خلفية المشهد أعين المحبين.

على شكل مستطيل غير مكتمل كذراعين ممتدين بدت مائدة القاعة، سيكمله عناق الأحباب الدافيء بعد تصفيق د.عايدة الأنصاري- مشرفة الرسالة- للباحث القادم من سفر علمي شاق، وقدميه راسختين رغم المشقة.

وعندئذ، تبدأ الرحلة، ولا تنتهي القصة.

(٢)

كانت الغرفة ضيقة للغاية، والأمنيات فسيحة بالبيت المقسوم أمام مسجد الهندي، بها أريكة خشبية “كنبة”، ومنضدة صغيرة تتراص عليها كتب الثانوية العامة، خلف جدار الغرفة كنت أنا أيضًا أهيم في قراءات الأدب “المطرود من جنة الاعتراف بجدواه”، وكلما مسني ملل، خرجت وطرقت بابه، ودلفت إلى مساحته، وسألته في فاصل مصنوع: ما هدفك يا أحمد ؟

= يبتسم ببراءة لم تغلبها السنوات: أي حاجة..

وتسمح لي إجابته بنقل خبرة جزئية، لا يصل يا حبيبي من لا دليل له، عظم طموحك، وأقبل على التجربة، في القسم العلمي لا مكان لإجابتك، صوب سهامك نحو غاية، ولتكن البداية.

(٣)

يرسم القدر مصائرنا على مهل، وبوسع السالك أن يستبصر.

بإعلان نتيجة الثانوية العامة تتسع أرجاء البيت بفرحة استثنائية، الفتى يتجاوز نسبة ٩٢% ، لكن مكتب التنسيق يكرر فعلته، درجة واحدة تطيح بحلم الهندسة، كما أطاحت بحلم “الألسن” من قبل، لكنني هنا أصد موجة الإحباط، وأبشر بالعلوم مع ضرورة الحفاظ على التفوق كمخرج وحيد للأحلام الكبيرة.

ويتخذ “أحمد”طريقه في العلم جدًا، واجتهادًا، لا تحبطه قلة المورد، ولا مظاهر القاهرة التي تصعب علينا الطرق، فنحن أبناء التجارب نتماهى مع تعرجات الطرق، وقسوة الاشتهاء.

لتكن الحكايات مسلية، والأنفس عامرة بالمحبة.

(٤)

لا نبوءة بعد، بل محطات تصقل فيها الرحلة باختبارات الصدق.

كلانا مر على رافد الحب في شقة ابن عمتنا أحمد رياض خفاجي- رحمه الله-، أبوابها مفتوحة على حدائق المودة الصادقة التي غرسها آباؤنا، وفي حيزها لا يحمل الزائر همًا، ومن نوافذها يدخل الصباح بشائر، وأمل، وسكينة، والإقامة ليست كشبيهاتها في غرف العزل القاهري، وإنما أوقات عامرة بالدفء العائلي، والعطاء المطلق.

من هناك، ورغم ضيق الخطوة المنفردة، كنا قادرين على إخراج ألسنتنا للقاهرة، شأن الموقن بقوة السند.

(٥)

  • ثم يتكشف الطريق، ويستعذب السائر غربته.

في مساءٍ ما، ولدى عبور سلم “الكوبري الخشب” أوقفنا أمين شرطة، وطلب بطاقة تحقيق الشخصية، ووجدتني مسارعًا لإخراج كارنيه “جريدة الصف العربي”- أولى محطات الصحافة، وأقساها من ناحية تنكر المحيط للمهنة-، وكان “أحمد” يقف خلف ظهري، وعندئذ، وفي واحدة من مؤشرات ضرورة المواصلة قال الأمين: أريد أن أنشر صورتي يا أستاذ في الجريدة، وتلطف، ثم مشينا معًا.

ووجدت “ابن عمي” معجبًا بقيمة “كارنيه الصحيفة”، بابتسامته الخجلة المهذبة طلب مني النهوض، والسعي نحو كبرى الصحف، وقلت: إن الله سيكتب لنا الخير معًا، فليكن على مفرق الطرق في كل ناصية براح، وكفاح.

(٦)

الغياب ينقص الفرحة، ويكملها أثر الحب.

يشبهني الباحث “أحمد إسماعيل”وتسحبنا يد المقادير المشتركة، أعيننا لحظة التتويج تبحث عن يدين مفتوحتين لأب غائب لم يحصد ثمرة الغراس، نبضاتنا سريعة، ودموع على أعتابها تستحيل إلى سكينة بين أحضان أمهاتنا، وفرحتنا تزيد، ويتسع مداها بعناق غير مخدوش مع أبناء عمومتنا الأوفياء، هؤلاء الذين تفيض قلوبهم حبًا، ورقة مضمرة، وبادية، ويلفتون الأنظار إلى ميراث أعظم بكثير من المال، وغير قابل للتسعير إطلاقًا.

وابتسم حين يعرفني إلى صديقه، ورفيق تجربته د.مينا مجدي- الأكاديمي الكيميائي، والباحث الأثري، وألحظ في ملامحه نشوة الأب بولده، فرحة واحدة مقسومة على قلبين، وأتذكر صديقي مايكل فارس في ليلة توقيع روايتي “ظل الأرملة “، إذ يجيء منبسط الروح دون دعوة مباشرة، ويذكر الحضور بمشاوير الدرب الطويل.

قواسم الطموح في مسيرة أحمد إسماعيل تحكي باختصار مفصل سيرة الراحلين “شعبان محمود إبراهيم، واسماعيل محمود إبراهيم”، وهي روائح لم يخب عبيرها بعد رغم تعاقب السنوات، أثرها حاضر، وأريجها يفوح من احتفاء الأهل، والأحباب داخل مدينة أطفيح، وخارجها.

(٧)

ورثنا الحب، وقدر الوارث أن يستمسك.

لقد ربحت بلادنا أكاديميًا أنيقًا دقيقًا يضاف إلى قائمة أكاديمييها النجباء في مختلف المجالات، وربحت عائلتي قيمة، وقدوة، وربحت أنا مرتين” نجحت التجربة، واطمأنت الأرواح”.

ألف مبروك يا دكتور احمد إسماعيل ساعي

زر الذهاب إلى الأعلى